هل الشركات الأجنبية في السعودية ملزمة بالفاتورة الإلكترونية؟

هل الشركات الأجنبية في السعودية ملزمة بالفاتورة الإلكترونية؟

شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تطورًا رقميًا كبيرًا في منظومة العمل المالي والإداري، خاصة مع تطبيق نظام الفوترة الإلكترونية الذي أطلقته هيئة الزكاة والضريبة والجمارك. وقد أصبح هذا النظام جزءًا أساسيًا من البنية الرقمية الحديثة التي تهدف إلى تعزيز الشفافية، وضمان الامتثال الضريبي، والحد من التهرب المالي. ومع توسع النشاط التجاري في المملكة ووجود عدد كبير من الشركات الأجنبية التي تعمل داخل السوق السعودي، تبرز تساؤلات مهمة حول مدى التزام هذه الشركات بتطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، وما هي الضوابط المفروضة عليها من قبل الهيئة.

في هذا المقال المفصل، سنوضح بالتفصيل هل الشركات الأجنبية في السعودية ملزمة بالفاتورة الإلكترونية؟، وما الشروط والمتطلبات التي يجب أن تلتزم بها، وكيف يمكن لهذه الشركات تطبيق النظام بما يتوافق مع التشريعات السعودية.

هل الشركات الأجنبية في السعودية ملزمة بالفاتورة الإلكترونية؟
هل الشركات الأجنبية في السعودية ملزمة بالفاتورة الإلكترونية؟

أولًا: لمحة عامة عن نظام الفاتورة الإلكترونية في السعودية

نظام الفاتورة الإلكترونية هو أحد أهم مبادرات التحول الرقمي التي أطلقتها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
يهدف هذا النظام إلى تحويل عملية إصدار الفواتير الورقية التقليدية إلى فواتير رقمية تُصدر وتُستقبل من خلال أنظمة إلكترونية معتمدة ومتصلة بالهيئة بشكل مباشر.

وقد بدأ تطبيق المرحلة الأولى من النظام في 4 ديسمبر 2021، بينما أطلقت المرحلة الثانية (مرحلة التكامل والربط) بشكل تدريجي على المنشآت منذ عام 2023 وحتى الآن، بحيث يتم ربط أنظمة الفوترة الداخلية في الشركات مع نظام الهيئة المركزي (Fatoora Platform).

الفاتورة الإلكترونية ليست مجرد ملف رقمي، بل وثيقة إلكترونية قانونية تحتوي على جميع تفاصيل المعاملة التجارية، وتصدر بصيغة معيارية محددة (XML أو PDF/A-3)، ويجب أن تحتوي على رموز QR، وتوقيعات رقمية تضمن أصالتها وسلامتها.

ثانيًا: من هم المكلفون بتطبيق الفاتورة الإلكترونية في السعودية؟

بحسب لائحة الفوترة الإلكترونية الصادرة عن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، فإن النظام يُطبق على كل شخص خاضع لضريبة القيمة المضافة داخل المملكة، وكذلك على أي طرف يُصدر فاتورة ضريبية بالنيابة عن مكلف آخر.
وهذا يشمل الشركات المحلية، والمؤسسات الفردية، وكذلك الشركات الأجنبية التي تمارس أنشطة خاضعة للضريبة داخل السعودية.

بمعنى آخر، كل منشأة، سواء كانت سعودية أو أجنبية، طالما أنها مسجلة في ضريبة القيمة المضافة وتمارس نشاطًا تجاريًا داخل المملكة، فإنها ملزمة بإصدار فواتير إلكترونية عند بيع السلع أو تقديم الخدمات.

ثالثًا: التزام الشركات الأجنبية بالفاتورة الإلكترونية

1. الشركات الأجنبية المسجلة في ضريبة القيمة المضافة داخل السعودية

إذا كانت الشركة الأجنبية تمتلك منشأة دائمة أو فرعًا رسميًا داخل المملكة وتم تسجيلها في نظام ضريبة القيمة المضافة السعودي، فهي تُعتبر “مكلفًا ضريبيًا” تمامًا مثل أي شركة سعودية أخرى.
وبالتالي، فهي ملزمة بتطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية وإصدار جميع فواتيرها وفق الضوابط والمعايير المحددة من الهيئة.

على سبيل المثال، الشركات العالمية التي تمتلك فروعًا في السعودية في قطاعات مثل التكنولوجيا، الطاقة، المقاولات، أو الخدمات اللوجستية، تُصدر فواتير محلية خاضعة لضريبة القيمة المضافة، وبالتالي يجب أن تلتزم بالكامل بمتطلبات الفوترة الإلكترونية.

2. الشركات الأجنبية غير المقيمة

في المقابل، إذا كانت الشركة الأجنبية غير مقيمة في المملكة ولا تمتلك كيانًا قانونيًا داخلها، ولكنها تقدم خدمات أو تبيع منتجات للسوق السعودي، فإنها لا تكون مطالبة بإصدار فواتير إلكترونية عبر نظام الهيئة، لأن هذه الشركات غير خاضعة مباشرة لضريبة القيمة المضافة السعودية.
ومع ذلك، في هذه الحالات، قد يكون العميل المحلي السعودي هو المسؤول عن إصدار “فاتورة ضريبية عكسية” وفقًا لنظام الضريبة العكسي (Reverse Charge Mechanism) المعمول به في بعض المعاملات عبر الحدود.

رابعًا: كيف تطبق الشركات الأجنبية النظام الإلكتروني داخل السعودية؟

عندما تسجل الشركة الأجنبية في ضريبة القيمة المضافة، فإن عليها الامتثال لمجموعة من الشروط لتطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية بنجاح، وتشمل ما يلي:

استخدام نظام فوترة إلكتروني معتمد من الهيئة
يجب على الشركة اختيار نظام فوترة معتمد ومتوافق مع متطلبات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، بحيث يكون قادرًا على إنشاء الفواتير بصيغة XML أو PDF/A-3، وإرسالها تلقائيًا إلى منصة الهيئة (Fatoora).

ربط النظام الداخلي بالشبكة المركزية للهيئة
في المرحلة الثانية من التطبيق، يجب أن يكون النظام قادرًا على التكامل مع منصة الهيئة عبر واجهة برمجة التطبيقات (API)، لتتمكن الهيئة من التحقق من صحة كل فاتورة قبل إصدارها رسميًا.

إصدار الفواتير إلكترونيًا لجميع المعاملات المحلية
على الشركات الأجنبية التي لديها فروع داخل السعودية أن تصدر فواتير إلكترونية عن كل بيع محلي أو خدمة خاضعة للضريبة، سواء كانت الفاتورة موجهة لأفراد (فاتورة مبسطة) أو لشركات (فاتورة ضريبية كاملة).

الاحتفاظ بالفواتير إلكترونيًا وفق المدة القانونية
تُلزم الهيئة الشركات بالاحتفاظ بجميع الفواتير الصادرة والواردة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ويجب أن تكون قابلة للاسترجاع إلكترونيًا في أي وقت للمراجعة أو التدقيق الضريبي.

الالتزام بمعايير الأمان والتشفير
يجب أن تكون الفواتير الإلكترونية موقعة رقميًا باستخدام شهادة توقيع معتمدة لضمان عدم التلاعب بها أو تعديلها بعد الإصدار، وهو ما يُعد شرطًا أساسيًا لقبول الفاتورة لدى الهيئة.

خامسًا: مزايا التزام الشركات الأجنبية بالفاتورة الإلكترونية

تطبيق نظام الفواتير الإلكترونية لا يعد التزامًا قانونيًا فقط، بل يمنح الشركات الأجنبية العاملة في السعودية مزايا متعددة تسهم في تحسين أدائها المالي والإداري:

تسهيل الامتثال الضريبي
من خلال الربط المباشر مع هيئة الزكاة، يتم التحقق من الفواتير بشكل آلي، مما يقلل احتمالية الأخطاء أو التأخير في تقديم الإقرارات الضريبية.

تحسين السمعة والشفافية
التزام الشركة الأجنبية بالأنظمة السعودية يعزز من مصداقيتها أمام السلطات والعملاء والشركاء المحليين، ويؤكد احترامها للتشريعات الوطنية.

توفير الوقت والتكاليف
الفواتير الإلكترونية تختصر عمليات الإصدار والمراجعة والمطابقة، مما يوفر جهدًا إداريًا كبيرًا ويقلل من تكاليف الطباعة والتخزين.

تحسين التكامل مع الأنظمة العالمية
نظرًا لأن العديد من الشركات الأجنبية تعتمد أنظمة فوترة إلكترونية في بلدانها، فإن التكامل مع النظام السعودي يسهل إدارة العمليات الدولية ويوحّد التقارير المالية بين الفروع.

تعزيز الأمان وحماية البيانات
بفضل التوقيع الرقمي والتشفير المتقدم، تضمن الشركات أن بياناتها المالية آمنة ومحمية من أي تلاعب أو وصول غير مصرح به.

سادسًا: العقوبات في حال عدم الالتزام بالفاتورة الإلكترونية

أوضحت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك أن عدم الالتزام بمتطلبات الفوترة الإلكترونية يُعد مخالفة نظامية، وتُفرض عليها غرامات تختلف حسب نوع المخالفة.
وتشمل هذه العقوبات ما يلي:

عدم إصدار فاتورة إلكترونية يؤدي إلى فرض غرامة لا تقل عن 1000 ريال سعودي.

عدم الاحتفاظ بالفواتير إلكترونيًا يُعرض المنشأة لغرامة تصل إلى 5000 ريال.

تعديل أو حذف الفواتير بعد إصدارها دون مبرر نظامي يُعد مخالفة جسيمة.

استخدام نظام فوترة غير معتمد أو لا يتكامل مع منصة الهيئة يؤدي إلى إيقاف الخدمة وفرض جزاءات مالية.

لذلك، فإن الشركات الأجنبية المسجلة في السعودية يجب أن تتعامل بجدية تامة مع هذا النظام، لأن المخالفة لا تؤثر فقط على سجلها الضريبي، بل قد تؤثر أيضًا على تراخيصها ونشاطها التجاري داخل المملكة.

سابعًا: أمثلة على الشركات الأجنبية المُلزمة بالربط الإلكتروني

لتوضيح الصورة بشكل أكثر واقعية، نذكر بعض الأمثلة العملية على الشركات الأجنبية التي تُعد ملزمة بالفاتورة الإلكترونية داخل السعودية:

شركة عالمية في قطاع التكنولوجيا مثل “مايكروسوفت” أو “آي بي إم”، تمتلك فرعًا مسجلًا تجاريًا داخل المملكة، فهي تُصدر فواتير لعملائها السعوديين وتلتزم بنظام الفوترة الإلكتروني بالكامل.

شركة مقاولات أجنبية تعمل في مشاريع حكومية داخل السعودية، ومسجلة في نظام ضريبة القيمة المضافة المحلي، فهي مطالبة بإصدار فواتير إلكترونية عن كل معاملة خاضعة للضريبة.

شركات الخدمات اللوجستية الدولية التي تمتلك فروعًا تشغيلية في السعودية، تُعتبر خاضعة لنفس الالتزامات التنظيمية الخاصة بالفوترة الإلكترونية.

أما الشركات التي تقدم خدمات عن بُعد من خارج المملكة دون كيان قانوني داخلها، فهي غير مطالبة مباشرة بالنظام، لكن العميل المحلي هو من يتحمل مسؤولية الإقرار الضريبي عن المعاملة.

ثامنًا: التحديات التي تواجه الشركات الأجنبية في تطبيق الفاتورة الإلكترونية

رغم المزايا الكبيرة التي يوفرها النظام، إلا أن بعض الشركات الأجنبية قد تواجه تحديات عند تطبيقه، من أبرزها:

تعدد الأنظمة المحاسبية بين الفروع الدولية والمحلية، مما يتطلب تكاملًا تقنيًا متقدمًا.

اختلاف المعايير الضريبية بين المملكة وبلدانها الأصلية، مما يفرض تعديلًا في إعداد التقارير المالية.

الحاجة لتدريب الكوادر المحلية على استخدام النظام الإلكتروني بشكل صحيح.

التكلفة الأولية لتطوير الأنظمة أو شراء حلول فوترة معتمدة.

لكن الهيئة السعودية قدمت دعمًا كبيرًا لتسهيل تطبيق النظام عبر توفير أدلة تفصيلية، وشركاء تقنيين معتمدين يساعدون الشركات في عملية التحول الرقمي بسهولة.

تاسعًا: مستقبل الشركات الأجنبية في ظل الرقمنة الضريبية

يُتوقع أن يشهد المستقبل القريب تكاملًا أكبر بين الأنظمة الضريبية المحلية والعالمية، خاصة في ظل توجه المملكة نحو تعزيز الاقتصاد الرقمي.
وبالتالي، فإن الشركات الأجنبية التي تلتزم مبكرًا بتطبيق الفاتورة الإلكترونية ستكون في موقع تنافسي متقدم، وستتمتع بمرونة أكبر في التوسع داخل السوق السعودي.

كما أن الربط الإلكتروني المستقبلي مع الجهات الحكومية والبنوك سيجعل العمليات المالية أكثر انسيابية وشفافية، مما يدعم أهداف رؤية السعودية 2030 في بناء اقتصاد رقمي متكامل ومستدام.

 

يمكن القول إن الشركات الأجنبية المسجلة في ضريبة القيمة المضافة داخل المملكة العربية السعودية ملزمة قانونًا بتطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، شأنها شأن الشركات المحلية.
أما الشركات غير المقيمة، فلا يُطلب منها ذلك إلا إذا كان لديها كيان رسمي داخل المملكة أو كانت تمارس أنشطة خاضعة للضريبة من خلالها.

ويُعد الالتزام بهذا النظام خطوة استراتيجية للشركات الأجنبية، فهو لا يحقق فقط الامتثال للأنظمة السعودية، بل يعزز أيضًا من كفاءتها التشغيلية وسمعتها المهنية في السوق المحلي.

فالتحول الرقمي الذي تقوده هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لم يعد خيارًا، بل هو ركيزة أساسية لتنظيم الاقتصاد وتحسين بيئة الأعمال في السعودية، والشركات الأجنبية التي تواكب هذا التوجه ستتمتع بمزايا تنافسية كبيرة في المستقبل.

error: Content is protected !!
Scroll to Top