كيف يتم إصدار إشعار دائن أو مدين إلكترونيًا؟
في ظل التحول الرقمي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، أصبح نظام الفوترة الإلكترونية من أهم المشاريع الوطنية التي أطلقتها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لتحقيق الشفافية في المعاملات التجارية وتنظيم العلاقة بين المنشآت والعملاء. هذا النظام لم يقتصر على إصدار الفواتير فقط، بل شمل أيضًا عملية إصدار الإشعارات المرتبطة بها، مثل الإشعار الدائن والإشعار المدين، وهما أداتان محاسبيتان أساسيتان لتعديل أو تصحيح بيانات الفواتير السابقة بطريقة قانونية ومنظمة.
في هذا المقال، سنوضح بالتفصيل ما هو الإشعار الدائن والمدين، ومتى يُستخدم كل منهما، وما الفرق بينهما، وكيف يتم إصدار هذه الإشعارات إلكترونيًا عبر الأنظمة المعتمدة من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، إضافة إلى شرح المتطلبات الفنية والإجرائية المتعلقة بها، وأهم النصائح لتفادي الأخطاء أثناء الإصدار.

أولًا: مفهوم الإشعار الدائن والإشعار المدين
في النظام المحاسبي، الإشعارات هي مستندات رسمية تصدر لتعديل الفاتورة الأصلية بعد إصدارها، سواء بالزيادة أو النقصان في القيمة.
الإشعار الدائن (Credit Note):
هو وثيقة تصدرها المنشأة لتقليل قيمة الفاتورة الأصلية. أي أنه بمثابة خصم يُمنح للعميل أو تعديل لصالحه نتيجة إرجاع جزء من البضائع أو تصحيح خطأ أدى إلى زيادة المبلغ في الفاتورة السابقة.
مثال: إذا قامت منشأة ببيع 100 وحدة من منتج ما، ثم أعاد العميل 10 وحدات، فيجب إصدار إشعار دائن لتعديل المبلغ الإجمالي والضريبة المستحقة.
الإشعار المدين (Debit Note):
هو وثيقة تصدرها المنشأة لزيادة قيمة الفاتورة الأصلية. أي أنه بمثابة تعديل على الفاتورة السابقة لصالح المورد، ويُستخدم في حال وجود خطأ أدى إلى تقليل قيمة الفاتورة أو في حال تقديم خدمات إضافية بعد إصدار الفاتورة.
مثال: إذا تم اكتشاف أن السعر المسجل في الفاتورة أقل من السعر الفعلي المتفق عليه، فيتم إصدار إشعار مدين لتغطية الفرق.
ثانيًا: الفرق بين الإشعار الدائن والإشعار المدين
التمييز بين النوعين أمر ضروري لتجنب الأخطاء المحاسبية والضريبية.
الوظيفة المحاسبية:
الإشعار الدائن: يُقلل من الإيرادات والمبيعات.
الإشعار المدين: يزيد من الإيرادات والمبيعات.
التأثير المالي:
الإشعار الدائن: يقلل من المبلغ المستحق على العميل.
الإشعار المدين: يزيد من المبلغ المستحق على العميل.
التأثير الضريبي:
الإشعار الدائن: يقلل من ضريبة القيمة المضافة المستحقة.
الإشعار المدين: يزيد من ضريبة القيمة المضافة المستحقة.
الجهة المستفيدة:
في الإشعار الدائن: المستفيد هو العميل.
في الإشعار المدين: المستفيد هو المورد أو البائع.
ثالثًا: أهمية الإشعارات في نظام الفاتورة الإلكترونية
الإشعارات الإلكترونية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نظام الفوترة الإلكترونية في المملكة. فهي تساعد على:
تصحيح الأخطاء المحاسبية بطريقة رسمية ومنظمة دون الحاجة إلى إلغاء الفاتورة بالكامل.
ضمان دقة البيانات المالية، خصوصًا عند إعداد الإقرارات الضريبية الشهرية أو الربع سنوية.
تحقيق الشفافية والمصداقية بين المنشآت والعملاء.
الامتثال الكامل لمتطلبات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وتجنب الغرامات.
تسهيل عمليات المراجعة والتدقيق المالي داخل المنشأة أو من قبل الجهات الحكومية.
رابعًا: متى يجب إصدار إشعار دائن أو مدين؟
الحالات التي تتطلب إشعارًا دائنًا تشمل:
إرجاع العميل جزءًا من البضائع أو الخدمات.
وجود خطأ في الكمية أو السعر المسجل في الفاتورة.
منح خصم بعد إصدار الفاتورة الأصلية.
إلغاء الصفقة التجارية بالكامل بعد إصدار الفاتورة.
إصدار فاتورة مكررة بالخطأ.
أما الحالات التي تتطلب إشعارًا مدينًا فهي:
وجود نقص في الكمية أو السعر المسجل في الفاتورة الأصلية.
إضافة رسوم أو خدمات إضافية بعد الإصدار.
تصحيح خطأ أدى إلى تخفيض المبلغ الأصلي بالخطأ.
زيادة في قيمة الضريبة المحتسبة سابقًا بسبب تعديل الأسعار.
خامسًا: آلية إصدار الإشعار الإلكتروني
إصدار الإشعار الإلكتروني يمر بعدة خطوات منظمة لضمان صحته وتكامله مع الفواتير الأصلية المسجلة في نظام الهيئة.
1. تحديد نوع الإشعار وسببه
قبل البدء بالإصدار، يجب على المنشأة تحديد:
ما إذا كان الإشعار دائنًا أم مدينًا.
سبب الإصدار (إرجاع، خصم، تعديل، زيادة…).
رقم الفاتورة الأصلية المرتبطة به.
2. الدخول إلى النظام الإلكتروني المعتمد
يتم إصدار الإشعارات الإلكترونية من خلال:
نظام محاسبي أو فوترة إلكترونية معتمد من الهيئة.
أو عبر بوابة هيئة الزكاة والضريبة في الحالات الخاصة أو للشركات الصغيرة.
3. إدخال بيانات الإشعار
تشمل البيانات المطلوبة عادة:
رقم الفاتورة الأصلية وتاريخها.
الرقم الضريبي للمورد والمشتري.
سبب الإصدار ونوع الإشعار.
تفاصيل البنود المعدلة (الكمية، السعر، الضريبة).
المبلغ المعدل قبل الضريبة وبعدها.
4. تضمين رمز الاستجابة السريعة (QR Code)
وهو أحد المتطلبات الإلزامية من الهيئة، ويحتوي على معلومات رئيسية مثل رقم الفاتورة، المبلغ الإجمالي، والضريبة، وتاريخ الإصدار.
5. التحقق من البيانات
يُفضل مراجعة الإشعار بعناية قبل الإرسال لتفادي الأخطاء التي قد تؤدي إلى رفضه من الهيئة أو التسبب في خلل بالإقرار الضريبي.
6. إرسال الإشعار إلكترونيًا إلى هيئة الزكاة والضريبة
يُرسل الإشعار مباشرة عبر النظام المعتمد، ويتم مراجعته من الهيئة للتأكد من صحته وتطابقه مع الفاتورة الأصلية.
بعد القبول، يُصدر رقم تحقق خاص بالإشعار.
7. تسليم الإشعار للعميل إلكترونيًا
بعد اعتماد الهيئة، يتم إرسال الإشعار إلى العميل عبر البريد الإلكتروني أو النظام المحاسبي.
سادسًا: المتطلبات الفنية لإصدار الإشعارات الإلكترونية
هيئة الزكاة والضريبة والجمارك حددت مجموعة من المتطلبات الفنية التي يجب أن تتوفر في نظام الفوترة الإلكترونية لتكون الإشعارات صالحة ومعتمدة:
أن تكون الإشعارات بصيغة رقمية معتمدة (XML أو PDF/A-3).
أن تحتوي على رقم الفاتورة الأصلية التي تم تعديلها.
أن تتضمن البيانات الإلزامية مثل الرقم الضريبي، المبلغ قبل وبعد الضريبة، والسبب التفصيلي للإصدار.
أن يتم توقيع الإشعار إلكترونيًا لضمان مصداقيته وعدم التلاعب به.
أن يتم إرسال الإشعار تلقائيًا إلى الهيئة فور صدوره.
أن يحتفظ النظام بنسخ آمنة من جميع الإشعارات لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
سابعًا: العلاقة بين الإشعارات والإقرارات الضريبية
تؤثر الإشعارات الدائنة والمدينة بشكل مباشر على إقرار ضريبة القيمة المضافة:
الإشعار الدائن يقلل من قيمة الضريبة المستحقة على المبيعات.
الإشعار المدين يزيد من قيمة الضريبة المستحقة.
لذلك، يجب إدراج كل إشعار تم إصداره خلال الفترة الضريبية في الإقرار الخاص بتلك الفترة لتجنب الفروقات والمخالفات.
ثامنًا: الأخطاء الشائعة عند إصدار الإشعارات الإلكترونية
من أبرز الأخطاء التي تقع فيها بعض المنشآت أثناء إصدار الإشعارات الإلكترونية:
إصدار إشعار غير مرتبط بفاتورة إلكترونية أصلية.
عدم إدخال سبب الإصدار أو إدخاله بشكل غير واضح.
إدخال قيم مالية غير مطابقة للفاتورة الأصلية.
عدم تضمين رمز QR أو الرقم الضريبي.
تأخير إرسال الإشعار إلى الهيئة بعد إصداره.
تجاهل إدراج الإشعار ضمن الإقرار الضريبي.
تجنب هذه الأخطاء يساعد المنشأة على الامتثال الكامل للنظام ويحميها من الغرامات أو رفض الإشعارات.
تاسعًا: العقوبات عند مخالفة ضوابط إصدار الإشعارات الإلكترونية
تفرض هيئة الزكاة والضريبة والجمارك غرامات على المنشآت غير الملتزمة، ومن بين العقوبات:
غرامة لا تقل عن 5,000 ريال عند عدم إصدار إشعار إلكتروني عند وجود مبرر.
غرامة على إصدار إشعار غير مطابق للمتطلبات الفنية أو خالٍ من الحقول الإلزامية.
إيقاف مؤقت للنظام الإلكتروني في حال تكرار الأخطاء.
رفض الإقرار الضريبي أو إعادة احتسابه عند تجاهل الإشعارات.
عاشرًا: أمثلة تطبيقية لإصدار الإشعارات الإلكترونية
المثال الأول – إشعار دائن:
قام تاجر بإصدار فاتورة بمبلغ 15,000 ريال شاملة الضريبة.
بعد أيام، أعاد العميل بضاعة بقيمة 3,000 ريال.
لذلك، يجب على التاجر إصدار إشعار دائن بقيمة 3,000 ريال لتخفيض المبلغ الإجمالي وتقليل ضريبة القيمة المضافة المستحقة بمقدار 450 ريال (15% من 3,000).
المثال الثاني – إشعار مدين:
أصدر مقاول فاتورة بقيمة 25,000 ريال لخدمة صيانة.
لاحقًا، تم اكتشاف أن هناك خدمات إضافية بقيمة 5,000 ريال لم تُحتسب.
في هذه الحالة، يُصدر إشعار مدين بقيمة 5,000 ريال لزيادة قيمة الفاتورة وإضافة 750 ريال كضريبة قيمة مضافة.
الحادي عشر: دور البرامج المحاسبية في إصدار الإشعارات الإلكترونية
البرامج المحاسبية المعتمدة من الهيئة أصبحت الوسيلة الأساسية لإصدار الإشعارات الإلكترونية.
ومن أهم وظائفها:
ربط الفواتير والإشعارات بشكل تلقائي.
إرسال البيانات مباشرة إلى الهيئة دون تدخل يدوي.
حفظ الإشعارات في قاعدة بيانات آمنة.
إصدار التقارير الضريبية تلقائيًا.
الكشف عن الأخطاء قبل إرسال الإشعار للهيئة.
هذه المزايا تجعل البرامج المحاسبية جزءًا لا غنى عنه في إدارة الفواتير والإشعارات الحديثة.
الثاني عشر: كيف تستعد المنشآت لتطبيق نظام الإشعارات الإلكترونية؟
لتطبيق النظام بشكل سليم، يجب على المنشآت القيام بالخطوات التالية:
اختيار نظام فوترة إلكتروني معتمد من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
تدريب المحاسبين والموظفين على كيفية إصدار الإشعارات بشكل صحيح.
مراجعة الفواتير قبل الإصدار لتقليل الحاجة إلى إشعارات التصحيح.
إجراء اختبارات للنظام الإلكتروني بشكل دوري للتأكد من سلامة الربط مع الهيئة.
حفظ جميع الإشعارات إلكترونيًا وفق المتطلبات القانونية.
الثالث عشر: أهمية النظام في تحقيق الشفافية ومكافحة التستر
نظام الإشعارات الإلكترونية لا يُعد مجرد إجراء محاسبي، بل هو وسيلة فعالة لدعم مكافحة التستر التجاري والتهرب الضريبي، لأنه يضمن تتبع جميع العمليات المالية إلكترونيًا ويمنع تعديل الفواتير أو حذفها بعد الإصدار.
وبذلك، يساهم النظام في بناء بيئة أعمال أكثر نزاهة وعدالة.
الرابع عشر: مستقبل الإشعارات الإلكترونية في السعودية
مع استمرار مراحل تطبيق الفوترة الإلكترونية، من المتوقع أن يتم تطوير آلية إصدار الإشعارات لتصبح أكثر ذكاءً، حيث يمكن للنظام في المستقبل:
رصد الأخطاء في الفواتير تلقائيًا واقتراح إصدار إشعار تصحيح تلقائي.
إرسال تنبيهات للمنشآت عند وجود فروقات بين الفواتير والإقرارات الضريبية.
تعزيز التكامل مع الأنظمة البنكية لتحديث السجلات المالية فورًا.
إصدار الإشعار الدائن أو المدين إلكترونيًا هو خطوة أساسية لضمان التوافق مع متطلبات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في المملكة العربية السعودية.
فهو لا يقتصر على تصحيح الأخطاء المحاسبية، بل يعزز من دقة البيانات ويضمن الامتثال الكامل للنظام الضريبي.
من خلال الاعتماد على الأنظمة الإلكترونية المعتمدة، يمكن للمنشآت إصدار الإشعارات بسرعة ودقة، وتجنب الأخطاء والغرامات، إضافة إلى تحسين الرقابة الداخلية ومصداقية التعاملات التجارية.
الإشعار الدائن يُستخدم لتقليل قيمة الفاتورة، والمدين يُستخدم لزيادتها، وكلاهما أصبحا جزءًا لا يتجزأ من رحلة التحول الرقمي التي تسعى المملكة من خلالها إلى بناء اقتصاد حديث وشفاف يتماشى مع رؤية 2030.