هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟
في ظل التطور الرقمي الذي تشهده المملكة العربية السعودية والتحول الشامل نحو الاقتصاد الرقمي، أصبحت الفاتورة الإلكترونية واحدة من أهم الأدوات التي تعزز الشفافية، وتحد من التستر التجاري، وتضمن حقوق المستهلكين والمنشآت. وقد ألزمت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك جميع المكلفين الخاضعين لضريبة القيمة المضافة بالتحول إلى الفوترة الإلكترونية وفق ضوابط محددة.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثير من العاملين في القطاع الصحي هو: هل الأطباء والمستشفيات ملزمون بإصدار الفواتير الإلكترونية؟
في هذا المقال سنتناول الإجابة بشكل مفصل وشامل، وسنوضح متى تكون الفاتورة الإلكترونية إلزامية، ومن تشملهم اللائحة، وكيف يمكن للأطباء والمنشآت الصحية الالتزام بها بشكل صحيح.

أولاً: ما المقصود بالفاتورة الإلكترونية؟
الفاتورة الإلكترونية هي فاتورة يتم إصدارها وحفظها وإرسالها بصيغة إلكترونية منظمة من خلال نظام إلكتروني متكامل، وليس بصورة ورقية أو عبر الإيميل فقط. وهي تحتوي على جميع عناصر الفاتورة الضريبية التقليدية، ولكنها تُصدر وتُرسل عبر نظام تقني معتمد يربط بين المنشأة وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
الهدف من تطبيق الفوترة الإلكترونية هو القضاء على التستر التجاري، وتسهيل عمليات المراجعة المحاسبية، وضمان دقة البيانات المالية، وتحسين بيئة الأعمال في المملكة بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
ثانياً: الفاتورة الإلكترونية في النظام الضريبي السعودي
بدأ تطبيق الفاتورة الإلكترونية على مرحلتين:
المرحلة الأولى (مرحلة الإصدار): دخلت حيز التنفيذ في 4 ديسمبر 2021، وشملت إلزام جميع المكلفين الخاضعين لضريبة القيمة المضافة بإصدار الفواتير الإلكترونية باستخدام نظام إلكتروني معتمد.
المرحلة الثانية (مرحلة الربط والتكامل): بدأت تدريجيًا من يناير 2023، وتلزم المنشآت بربط أنظمتها المحاسبية مع نظام الهيئة لتبادل البيانات والتحقق من صحة الفواتير.
وبناءً على هذه المراحل، فإن جميع المنشآت التي تقدم خدمات أو منتجات خاضعة لضريبة القيمة المضافة، بما فيها المنشآت الطبية والمستشفيات والعيادات الخاصة، مشمولة ضمن نطاق التطبيق.
ثالثاً: هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟
نعم، إصدار الفواتير الإلكترونية إلزامي على الأطباء والمستشفيات والعيادات الخاصة في حال كانت خاضعة لضريبة القيمة المضافة.
وهذا يعني أن الالتزام لا يعتمد على طبيعة النشاط (طبي أو تجاري)، بل على ما إذا كان الدخل أو الخدمات المقدمة تخضع لضريبة القيمة المضافة أم لا.
الحالات التي تكون فيها الفاتورة الإلكترونية إلزامية:
إذا كانت المنشأة الطبية أو العيادة مسجلة في ضريبة القيمة المضافة.
إذا تجاوزت إيرادات الطبيب أو العيادة الحد الأدنى للتسجيل في الضريبة (375,000 ريال سنويًا).
إذا كانت الخدمات المقدمة غير معفاة من الضريبة (مثل الخدمات التجميلية غير الطبية).
الحالات التي لا تكون فيها إلزامية:
إذا كانت الخدمات الطبية معفاة من ضريبة القيمة المضافة وفق اللائحة التنفيذية، كالعلاج الطبي المباشر للمرضى.
إذا لم يتجاوز دخل الطبيب أو المنشأة الحد الأدنى للتسجيل في ضريبة القيمة المضافة.
لكن حتى في هذه الحالة، قد يُفضل الأطباء استخدام الفاتورة الإلكترونية لأسباب تنظيمية ومحاسبية وتحضيرية لأي توسع مستقبلي في نشاطهم.
رابعاً: كيف تطبق الفاتورة الإلكترونية في العيادات والمنشآت الصحية؟
تطبيق الفاتورة الإلكترونية في العيادات والمستشفيات يتم عبر أنظمة محاسبية وطبية متكاملة تدير جميع العمليات من استقبال المريض حتى إصدار الفاتورة.
وفيما يلي الخطوات الأساسية لتطبيق النظام بشكل صحيح:
اختيار برنامج معتمد من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك
يجب أن يكون النظام المستخدم لإصدار الفواتير الإلكترونية متوافقًا مع متطلبات الهيئة، ويتيح توليد الفواتير بصيغة (XML) أو (PDF/A-3) مع تضمين رمز الاستجابة السريعة (QR Code).
إدخال بيانات المنشأة بدقة
يجب أن تحتوي الفاتورة على بيانات المنشأة مثل الرقم الضريبي، عنوان العيادة، وبيانات العميل (المريض أو الجهة المستفيدة).
إصدار الفاتورة عند تقديم الخدمة
عند تقديم الخدمة الطبية الخاضعة للضريبة، يتم إصدار الفاتورة الإلكترونية مباشرة من النظام.
إرسال الفاتورة إلكترونيًا إلى هيئة الزكاة
في المرحلة الثانية من النظام، تُرسل الفواتير مباشرة إلى الهيئة للتحقق منها، قبل تسليمها إلى العميل.
الاحتفاظ بنسخ إلكترونية من الفواتير
يجب حفظ الفواتير في النظام الإلكتروني لمدة لا تقل عن خمس سنوات، لتسهيل المراجعة والتدقيق.
خامساً: مميزات استخدام الفاتورة الإلكترونية للأطباء والمنشآت الصحية
تطبيق الفاتورة الإلكترونية لا يقتصر على الامتثال للأنظمة فقط، بل يحمل العديد من المزايا العملية والمهنية للأطباء والمستشفيات:
تعزيز المصداقية والشفافية
عند إصدار الفاتورة الإلكترونية، يكون كل شيء مسجلًا وموثقًا إلكترونيًا، مما يمنع التلاعب ويزيد من ثقة المرضى في العيادة.
تبسيط إدارة الإيرادات والمصروفات
الأنظمة الإلكترونية تسهّل على الطبيب أو المحاسب تتبع الدخل والمصاريف الشهرية، مما يرفع كفاءة الإدارة المالية.
الحد من الأخطاء اليدوية
الاعتماد على الأنظمة الآلية يقلل من الأخطاء الحسابية أو الإدخالات الخاطئة التي قد تحدث عند إعداد الفواتير يدويًا.
توفير الوقت والجهد
يمكن إصدار مئات الفواتير خلال دقائق معدودة، مع حفظها وتنظيمها تلقائيًا.
الامتثال الكامل للأنظمة الضريبية
النظام الإلكتروني يضمن الالتزام بضوابط الهيئة، ويقلل من احتمالية الغرامات أو المخالفات.
سهولة التدقيق والمراجعة
عند الحاجة لمراجعة حسابات المنشأة من قبل الهيئة أو المحاسب القانوني، تكون كل البيانات جاهزة ومنظمة.
سادساً: ما العقوبات في حال عدم الالتزام بالفاتورة الإلكترونية؟
هيئة الزكاة والضريبة والجمارك فرضت غرامات على المنشآت التي لا تلتزم بإصدار الفواتير الإلكترونية أو تخالف متطلبات النظام، وتشمل العقوبات:
غرامات مالية تبدأ من 5,000 ريال في حال عدم إصدار الفاتورة الإلكترونية.
غرامات إضافية عند عدم تضمين العناصر الإلزامية مثل رمز الاستجابة السريعة أو الرقم الضريبي.
إيقاف الخدمات مؤقتًا أو الإلزام بالربط التقني عند التكرار.
لذلك فإن تطبيق النظام بشكل دقيق من البداية يجنب الطبيب أو المنشأة أي تبعات قانونية لاحقة.
سابعاً: كيف يمكن للأطباء الاستعداد لتطبيق الفاتورة الإلكترونية؟
إذا كان الطبيب أو المستشفى ضمن الفئات المشمولة، فيجب اتخاذ الإجراءات التالية:
التأكد من التسجيل في ضريبة القيمة المضافة.
اختيار نظام محاسبي أو طبي معتمد من الهيئة.
تدريب الموظفين على استخدام النظام وإصدار الفواتير بشكل صحيح.
تحديث البيانات الضريبية بشكل دوري.
التأكد من أن النظام قادر على توليد الفواتير بصيغ معتمدة (XML أو PDF/A-3).
الاحتفاظ بنسخ احتياطية من الفواتير في حال المراجعة أو التدقيق.
ثامناً: الفرق بين الفاتورة الورقية والإلكترونية في المجال الطبي
في السابق كانت العيادات والمستشفيات تعتمد على الفواتير الورقية التي تُطبع وتُسلّم للمريض، بينما الآن أصبحت العملية رقمية بالكامل.
الفرق الجوهري هو أن الفاتورة الإلكترونية تتكامل مع النظام المحاسبي والهيئة الضريبية مباشرة، بينما الفاتورة الورقية لا تحقق هذا الترابط ولا توفر الأمان الكافي للبيانات.
إضافة إلى ذلك، الفاتورة الإلكترونية توفر إحصائيات دقيقة حول عدد المرضى، وأنواع الخدمات المقدمة، ومتوسط الإيرادات، مما يساعد الإدارة في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على بيانات دقيقة.
تاسعاً: أمثلة عملية لتطبيق الفاتورة الإلكترونية في العيادات
على سبيل المثال، عندما يزور المريض عيادة تجميلية لإجراء عملية تجميلية خاضعة للضريبة، يقوم النظام المحاسبي المتكامل بإصدار فاتورة إلكترونية تحتوي على:
اسم الطبيب والمنشأة.
الرقم الضريبي.
وصف الخدمة المقدمة.
المبلغ قبل وبعد الضريبة.
رمز الاستجابة السريعة QR.
يُرسل النظام نسخة من الفاتورة إلى هيئة الزكاة والضريبة للتحقق منها، ثم تُرسل للمريض عبر البريد الإلكتروني أو تُطبع للاحتفاظ بها في سجلاته.
عاشراً: فوائد اقتصادية وتنظيمية لتطبيق الفواتير الإلكترونية في القطاع الصحي
تطبيق الفاتورة الإلكترونية لا يخدم فقط الجانب الضريبي، بل يعزز من كفاءة إدارة القطاع الصحي ككل.
فهو:
يسهل عمليات المحاسبة والمراجعة الداخلية.
يحد من التلاعب في الإيرادات والمصروفات.
يرفع من كفاءة الإنفاق العام في القطاع الصحي الخاص.
يضمن التوافق مع متطلبات الحوكمة الرقمية الوطنية.
يدعم مكافحة التستر التجاري الذي كان شائعًا في بعض الأنشطة الطبية الخاصة.
إجمالاً، يمكن القول إن التحول إلى الفاتورة الإلكترونية أصبح إلزاميًا على الأطباء والمستشفيات المسجلة في ضريبة القيمة المضافة، وهو خطوة أساسية ضمن مسيرة التحول الرقمي في المملكة.
ورغم أن البعض قد يرى فيه عبئًا في البداية، إلا أن فوائده على المدى الطويل تفوق بكثير الجهد المطلوب للتطبيق، سواء من حيث التنظيم المالي، أو تعزيز الشفافية، أو الامتثال القانوني.
إن التزام القطاع الصحي بهذه الخطوة يعزز ثقة المرضى، ويحافظ على سمعة الممارسات الطبية، ويجعل من النظام الصحي السعودي نموذجًا يُحتذى به في الشفافية والإدارة الحديثة.
وبذلك يتضح أن الفاتورة الإلكترونية ليست مجرد متطلب حكومي، بل هي أداة تطوير واستدامة للقطاع الصحي والاقتصاد الوطني ككل.