الأشهر الهجرية

الأشهر الهجرية: تاريخها وأسماؤها ومعانيها وأهميتها في حياة المسلمين

يُعدّ التقويم الهجري أحد الركائز الثقافية والدينية في حياة المسلمين، إذ لا يُستخدم فقط لتحديد المناسبات الدينية كشهر رمضان والحج وعيد الفطر وعيد الأضحى، بل يمثل أيضًا امتدادًا لتراث عربي عريق سبق الإسلام ثم تطور بقدومه.
الأشهر الهجرية ليست مجرد تقسيم زمني، بل هي سجل حيّ يحكي قصصًا من التاريخ والدين والعادات، ويرتبط بالقمر ودورانه، ما يجعلها أكثر التصاقًا بالفطرة والطبيعة.
في هذا المقال، نستعرض بشكل شامل كل ما يتعلق بالأشهر الهجرية: أصلها، ترتيبها، معانيها، أهم الأحداث التي ارتبطت بها، وكيف أثرت في حياة المسلمين حتى اليوم، بطريقة مبسطة وعلمية توضح جمال هذا التقويم الذي يربط الزمان بالروح والإيمان.

الأشهر الهجرية
الأشهر الهجرية

أولًا: ما هو التقويم الهجري؟

التقويم الهجري هو تقويم قمري يعتمد على دورة القمر حول الأرض، ويتكون من 12 شهرًا، يبلغ عدد أيام السنة الهجرية حوالي 354 يومًا، أي أقل من السنة الميلادية بنحو 11 يومًا.
يبدأ التقويم الهجري من حدث الهجرة النبوية الشريفة، عندما هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة عام 622 ميلادية، وهو الحدث الذي مثّل نقطة تحول تاريخية في بناء الأمة الإسلامية.

ثانيًا: أصل الأشهر الهجرية قبل الإسلام

قبل ظهور الإسلام، كان العرب يعتمدون على تقويم قمري بدائي، وأسماء الأشهر الهجرية الحالية كانت تُستخدم في الجاهلية، لكنها اكتسبت دلالات أعمق بعد الإسلام.
وقد كانت العرب تُسمي الأشهر بناءً على طبيعة المناخ أو الأحداث الموسمية أو الحروب أو عاداتهم الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، أُطلق على شهر رمضان هذا الاسم من “الرمضاء” أي شدة الحر، بينما سُمي ذو الحجة لأنه الشهر الذي تُقام فيه فريضة الحج.

ثالثًا: لماذا اختير التقويم الهجري دون الميلادي في الإسلام؟

يرتبط اختيار التقويم الهجري بجوهر العقيدة الإسلامية التي توازن بين العبادة والزمن.
فالإسلام أراد تقويمًا يعتمد على القمر، لأن القمر يمكن رؤيته بالعين المجردة في كل مكان، بخلاف الشمس التي تحتاج إلى حسابات دقيقة.
كما أن الاعتماد على القمر يجعل كل شعيرة دينية مثل الصيام والحج مرتبطة بالفطرة والتأمل في الكون.
وقد أقر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه التقويم الهجري رسميًا في السنة السابعة عشرة للهجرة، بعد مشورة الصحابة، ليكون التاريخ الإسلامي المعتمد في المراسلات والمعاملات.

رابعًا: ترتيب الأشهر الهجرية الاثني عشر

يضم التقويم الهجري اثني عشر شهرًا بالترتيب التالي:

المحرم

صفر

ربيع الأول

ربيع الآخر (أو ربيع الثاني)

جمادى الأولى

جمادى الآخرة

رجب

شعبان

رمضان

شوال

ذو القعدة

ذو الحجة

وسنستعرض فيما يلي شرحًا مفصلًا لكل شهر ومعناه ودلالته وأبرز الأحداث التي وقعت فيه.
الـمحرم
هو أول شهور السنة الهجرية وأحد الأشهر الحرم الأربعة التي حرم الله فيها القتال.
سُمي بالمحرّم لأن العرب كانوا يُحرّمون فيه القتال احترامًا لقدسيته.
وفي الإسلام، يُعد شهر المحرم شهرًا عظيمًا تُستحب فيه الأعمال الصالحة، ومن أبرز أيامه عاشوراء، اليوم الذي نجّى الله فيه نبيه موسى من فرعون، وصامه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
صفر
ثاني أشهر السنة الهجرية، وسُمّي بهذا الاسم لأن العرب كانوا يخرجون للحرب بعد المحرم فتخلو بيوتهم، أي تصبح “صفراء” أي خالية.
كما قيل إنه سُمّي كذلك لأن الأرض كانت تصفرّ أي تَجفّ في هذا الوقت من السنة.
في الإسلام، لا يحمل هذا الشهر دلالات خاصة في العبادات، لكن يُذكر لتصحيح بعض المعتقدات القديمة، إذ كان بعض العرب يتشاءمون منه، وجاء الإسلام لينفي هذه الخرافة.
ربيع الأول
هو الشهر الثالث من السنة الهجرية، ويُعد من أعظم الأشهر في التاريخ الإسلامي لأنه شهد مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى المدينة.
كما تُقام فيه الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف في كثير من البلدان الإسلامية.
وسُمي “ربيعًا” لأنه كان يأتي في فصل الربيع عند تسميته الأولى.
ربيع الآخر (أو ربيع الثاني)
يُكمل ربيع الآخر الاعتدال المناخي الذي يبدأ في ربيع الأول، وهو شهر هدوء واستقرار بعد الهجرة النبوية.
ولم تُسجل فيه أحداث كبرى محددة، لكنه يمثل فترة نمو وازدهار في الطبيعة، ولذلك حمل هذا الاسم.
جمادى الأولى
الخامس من شهور السنة الهجرية، وسُمي “جمادى” لأن الماء كان يتجمد فيه عند تسميته أول مرة، أي في فصل الشتاء.
في هذا الشهر وقعت غزوة مؤتة، وهي من أهم المعارك التي شارك فيها المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
جمادى الآخرة (جمادى الثانية)
هو الشهر السادس من السنة الهجرية، ويُعد امتدادًا لجمادى الأولى.
ومن أبرز الأحداث التي وقعت فيه: وفاة أم المؤمنين فاطمة الزهراء رضي الله عنها بعد وفاة أبيها النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
رجب
هو الشهر السابع وأحد الأشهر الحرم الأربعة.
سُمّي رجب من “الترجيب” أي التعظيم، وكان العرب يعظّمونه ويكفون فيه عن القتال.
وفي الإسلام اكتسب رجب مكانة خاصة لأنه الشهر الذي وقع فيه حدث الإسراء والمعراج، عندما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا.
شعبان
الشهر الثامن من السنة الهجرية، وهو الشهر الذي يأتي بين رجب ورمضان، وسُمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه في طلب المياه أو في القتال بعد توقفهم في رجب.
وله فضل عظيم في الإسلام لأنه الشهر الذي ترتفع فيه الأعمال إلى الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، وقال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان”.
رمضان
تاسع الأشهر الهجرية، وهو أعظم الشهور عند المسلمين، فرض الله فيه صيام الشهر كاملاً، وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وسُمي رمضان من “الرمضاء” أي شدة الحر، لأنه كان يأتي في وقت الحر عند تسميته أول مرة.
في هذا الشهر تتضاعف الأجور، وتغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفّد الشياطين.
شوال
الشهر العاشر من السنة الهجرية، وسُمي بذلك لأن الإبل كانت تشول بأذنابها طلبًا للتزاوج.
يأتي بعد شهر رمضان مباشرة، ويبدأ فيه عيد الفطر المبارك، الذي يحتفل فيه المسلمون بإتمام فريضة الصيام.
كما يُستحب صيام ستة أيام من شوال بعد العيد لما ورد في الحديث الشريف: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كمن صام الدهر كله”.
ذو القعدة
هو الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرم التي يُمنع فيها القتال.
سُمي ذو القعدة لأن العرب كانوا يقعدون فيه عن الغزو والسفر، أي شهر راحة وهدوء بعد موسم طويل.
في هذا الشهر تبدأ استعدادات المسلمين للحج في الشهر التالي.
ذو الحجة
آخر أشهر السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرم، وهو من أعظم الأشهر في الإسلام لأنه يشهد أداء ركن الحج الأكبر.
تجتمع فيه عبادة الصوم والحج والأضحية، ومن أعظم أيامه العشر الأوائل التي أقسم الله بها في القرآن الكريم: “والفجر وليالٍ عشر”.
وفي اليوم العاشر يكون عيد الأضحى المبارك، يوم النحر والتقرب إلى الله بالأضاحي.

خامسًا: الأشهر الحرم الأربعة وأهميتها

الأشهر الحرم التي ذكرها الله في كتابه الكريم هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب.
قال تعالى: “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم”.
تتميز هذه الأشهر بقدسيتها، إذ يُضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة كما يُشدّد فيها الوعيد على الذنوب، وهي فرصة للتوبة والطاعة.

سادسًا: الفرق بين السنة الهجرية والميلادية

السنة الميلادية تعتمد على الشمس وعدد أيامها 365 يومًا، بينما السنة الهجرية تعتمد على القمر وعدد أيامها 354 يومًا.
وهذا الفرق يجعل المناسبات الإسلامية تتحرك عبر فصول السنة، فيأتي رمضان مثلًا أحيانًا في الصيف وأحيانًا في الشتاء.
كما أن السنة الميلادية تبدأ في يناير، بينما السنة الهجرية تبدأ بالمحرّم.

سابعًا: أهمية التقويم الهجري في حياة المسلمين

تحديد العبادات مثل الصيام والحج والزكاة.

تذكير المسلمين بالتاريخ الإسلامي والهوية الدينية.

تنظيم الشعائر والمناسبات الإسلامية بشكل موحد في كل الدول.

توثيق الأحداث التاريخية الإسلامية الكبرى.

ثامنًا: استخدامات التقويم الهجري في العصر الحديث

رغم أن معظم الدول تعتمد التقويم الميلادي في المعاملات الرسمية، إلا أن المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد التقويم الهجري في العديد من شؤونها الإدارية والدينية، تأكيدًا لهويتها الإسلامية.
كما يُستخدم التقويم الهجري في تحديد المواعيد الشرعية للأعياد، وصرف رواتب الموظفين في بعض القطاعات، وتوثيق العقود والأحكام الشرعية.

تاسعًا: التحديات التي تواجه التقويم الهجري

من أبرز التحديات هي اختلاف رؤية الهلال بين الدول الإسلامية، مما يؤدي أحيانًا إلى اختلاف في بداية الأشهر الهجرية، وخاصة في شهر رمضان وشوال.
لكن في السنوات الأخيرة تم تطوير تقنيات فلكية حديثة تساعد على دقة أكبر في تحديد بدايات الأشهر، مع مراعاة الرؤية الشرعية للهلال.

عاشرًا: دروس رمزية من الأشهر الهجرية

الأشهر الهجرية ليست فقط وسيلة لحساب الزمن، بل تحمل دروسًا عميقة:

المحرّم يعلمنا الصبر والابتعاد عن الظلم.

رمضان يعلّمنا التقوى وضبط النفس.

ذو الحجة يذكّرنا بالتضحية والطاعة.

رجب وشعبان يهيئان القلب لاستقبال مواسم الطاعة.
كل شهر يحمل رسالة روحية وسلوكية تشجع المسلم على النمو الأخلاقي والروحي.

الأسئلة الشائعة

من الذي وضع التقويم الهجري؟

أُقرّ رسميًا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

هل كانت أسماء الأشهر الهجرية موجودة قبل الإسلام؟

نعم، كانت تُستخدم في الجاهلية لكن الإسلام أقرها وأعطاها طابعًا دينيًا.

لماذا يعتمد الإسلام على القمر وليس الشمس؟

لأن القمر يمكن رؤيته بالعين المجردة ويُسهّل توحيد العبادات في جميع البلدان.

ما معنى كلمة “هجرة” في التقويم الهجري؟

تشير إلى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وهي بداية التاريخ الإسلامي.

هل تتغير مواعيد الأشهر الهجرية كل عام؟

نعم، تتقدم بمقدار 11 يومًا تقريبًا عن السنة الميلادية.

الأشهر الهجرية ليست مجرد أرقام في تقويم، بل هي هوية أمة وتاريخ دين.
كل شهر منها يحمل قصة ودلالة، وكل مناسبة فيها تذكّر المسلمين بعلاقتهم بالله وبالزمن.
وفي عالم يزداد سرعة وتغيّرًا، يبقى التقويم الهجري شاهدًا على الاستمرارية الروحية التي تربط الماضي بالحاضر، وتذكّر المسلمين بأن الزمن ليس مجرد مرور للأيام، بل فرصة للتقرب إلى الله وتعمير الأرض بالخير.
إن معرفة الأشهر الهجرية والعيش وفق إيقاعها ليس فقط حفاظًا على التراث، بل تجديد للصلة بالهوية الإسلامية والوعي بالزمن الإيماني الحقيقي.

error: Content is protected !!
Scroll to Top