هل الفاتورة الإلكترونية تشمل فواتير الإيجارات والعقارات؟
مع توسّع تطبيق نظام الفواتير الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، بدأت العديد من التساؤلات تُطرح حول نطاق تطبيق هذا النظام، وخاصة من قبل أصحاب العقارات والمستأجرين والمكاتب العقارية. من أبرز هذه التساؤلات: هل الفاتورة الإلكترونية تشمل فواتير الإيجارات والعقارات؟ وهل يُلزم المؤجر بإصدار فاتورة إلكترونية عن عمليات التأجير العقاري؟
في هذا المقال الشامل، سنتناول الإجابة المفصلة عن هذه الأسئلة من منظور نظام ضريبة القيمة المضافة ومتطلبات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وسنوضح الحالات التي تُلزم فيها المنشآت بإصدار فواتير إلكترونية في المعاملات العقارية، والحالات التي تُستثنى منها، مع تحليل التأثيرات المحتملة لهذا النظام على قطاع العقارات في المملكة.

أولاً: ما المقصود بالفاتورة الإلكترونية؟
الفاتورة الإلكترونية هي مستند رقمي يُصدر ويُرسل ويُستقبل بطريقة إلكترونية من خلال نظام إلكتروني معتمد، يثبت عملية بيع أو تقديم خدمة بين طرفين. تُصدر الفاتورة الإلكترونية وفق ضوابط محددة وضعتها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وتشمل بيانات أساسية مثل رقم الفاتورة، التاريخ، رقم التعريف الضريبي، تفاصيل الخدمة أو السلعة، المبلغ الإجمالي، وضريبة القيمة المضافة إن وُجدت.
وتهدف الفواتير الإلكترونية إلى تحقيق الشفافية المالية، والحد من التهرب الضريبي، وضمان توثيق العمليات التجارية والخدمية بشكل رقمي يسهل مراجعته ومتابعته.
ثانياً: ما هو نطاق تطبيق الفاتورة الإلكترونية؟
بحسب اللائحة التنفيذية لنظام الفواتير الإلكترونية الصادرة عن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، فإن النظام يُطبق على جميع المكلفين الخاضعين لضريبة القيمة المضافة، أي كل منشأة تقوم ببيع سلع أو تقديم خدمات خاضعة للضريبة داخل المملكة.
وبناءً على ذلك، فإن أي عملية تجارية بين طرفين — سواء كانت بيعًا أو تقديم خدمة — إذا كانت خاضعة لضريبة القيمة المضافة، فيجب أن يُصدر عنها فاتورة إلكترونية.
ثالثاً: هل فواتير الإيجارات والعقارات مشمولة في النظام؟
الإجابة تعتمد على طبيعة النشاط العقاري ونوع العملية، إذ لا تُعامل جميع معاملات الإيجارات العقارية بنفس الشكل من حيث الخضوع للفاتورة الإلكترونية.
لنوضح ذلك بالتفصيل:
إذا كان النشاط العقاري تجاريًا (مثل تأجير محلات، مكاتب، مستودعات):
في هذه الحالة، فإن الإيجار يُعتبر خدمة خاضعة لضريبة القيمة المضافة بنسبة 15%، وبالتالي يجب إصدار فاتورة إلكترونية لكل عقد إيجار أو دفعة إيجارية، سواء كانت شهرية أو سنوية.
أي أن المؤجر – سواء كان مالك العقار أو مكتب إدارة العقارات – ملزم بإصدار فاتورة إلكترونية موثقة تحتوي على تفاصيل المبلغ وضريبة القيمة المضافة.
أما إذا كان النشاط العقاري سكنيًا (مثل تأجير شقق أو منازل للسكن):
هنا يختلف الوضع تمامًا، لأن تأجير العقارات السكنية يُعتبر نشاطًا معفى من ضريبة القيمة المضافة، وبالتالي لا يُطلب إصدار فاتورة ضريبية إلكترونية لهذه العمليات.
لكن يمكن للمؤجر إصدار إيصال إلكتروني أو فاتورة غير ضريبية لإثبات العملية إذا رغب في ذلك.
رابعاً: الفارق بين الفاتورة الإلكترونية والفاتورة الورقية في قطاع العقارات
قبل تطبيق النظام، كان معظم التعامل في الإيجارات يعتمد على العقود الورقية والإيصالات اليدوية. أما اليوم، فقد بدأت بعض المكاتب العقارية والمنشآت الاستثمارية في اعتماد أنظمة إلكترونية للفوترة، خصوصًا في التعاملات التجارية.
الفاتورة الإلكترونية تُسهل عملية التوثيق والمراجعة، وتتيح للهيئة الاطلاع على البيانات بشكل فوري، مما يقلل من النزاعات القانونية والمالية. كما أنها تُعد وسيلة لإثبات دخل المؤجر في حال احتاج إلى تمويل بنكي أو مراجعة ضريبية.
خامساً: من الملزم بإصدار الفاتورة الإلكترونية في الإيجارات؟
في حال الشركات العقارية: الشركات التي تدير عقارات مؤجرة – سواء سكنية أو تجارية – وتكون مسجلة في ضريبة القيمة المضافة، فهي مُلزمة بإصدار فواتير إلكترونية لكل عملية خاضعة للضريبة.
في حال الأفراد غير المسجلين في ضريبة القيمة المضافة: إذا كان الشخص الطبيعي يؤجر عقارًا سكنيًا خاصًا به، فلا يُطلب منه إصدار فاتورة إلكترونية لأنه غير خاضع للضريبة.
في حال الوسطاء العقاريين: إذا كان المكتب العقاري يتقاضى عمولة عن الوساطة في الإيجار، فإن هذه العمولة تُعتبر خدمة خاضعة للضريبة، ويجب أن تُصدر عنها فاتورة إلكترونية.
سادساً: كيف تُصدر الفاتورة الإلكترونية في قطاع العقارات؟
تُصدر الفاتورة الإلكترونية من خلال نظام إلكتروني معتمد من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، مثل أنظمة الفوترة المتكاملة أو منصات إدارة العقارات الرقمية.
وتتضمن الفاتورة بيانات مثل:
اسم المستأجر والمؤجر
رقم العقد أو الوحدة المؤجرة
تاريخ بداية ونهاية العقد
قيمة الإيجار
نسبة الضريبة المضافة (إن وجدت)
المبلغ الإجمالي
رمز QR للتحقق
كما يمكن الربط بين النظام الإلكتروني لإصدار الفواتير ومنصة “إيجار” التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، لتوحيد البيانات وتسهيل المراجعة.
سابعاً: الإيجارات المعفاة من الفواتير الإلكترونية
من المهم التوضيح أن ليس كل معاملات الإيجار تُلزم بالفواتير الإلكترونية، فهناك حالات تُستثنى منها، منها:
الإيجارات السكنية للأفراد: مثل تأجير الشقق والمنازل لغرض السكن الخاص.
الإيجارات الحكومية: في حال استئجار جهة حكومية لعقار من فرد، فلا تُطبق الضريبة.
الإيجارات غير الدورية أو غير التجارية: إذا كانت عملية تأجير لمرة واحدة وغير متكررة، فقد تُعتبر خارج نطاق النشاط التجاري.
لكن، في جميع الحالات، يجب أن يحتفظ المؤجر بسجل إلكتروني واضح يثبت العمليات المالية عند الحاجة للمراجعة.
ثامناً: أثر الفاتورة الإلكترونية على قطاع العقارات
تطبيق نظام الفواتير الإلكترونية في القطاع العقاري له فوائد كبيرة على المستويين المالي والتنظيمي، أبرزها:
الشفافية والموثوقية:
يساعد النظام في توثيق جميع العمليات بشكل رقمي، مما يحد من التلاعب أو النزاعات بين المؤجر والمستأجر.
سهولة المراجعة الضريبية:
عندما تكون جميع الفواتير مسجلة إلكترونيًا، يسهل على الهيئة مراجعة البيانات والتحقق من صحة الإقرارات الضريبية دون الحاجة للمستندات الورقية.
تعزيز الثقة في السوق العقاري:
المستثمرون والمستأجرون يشعرون بمزيد من الأمان عند التعامل عبر نظام إلكتروني معتمد يضمن حقوق الطرفين.
تسريع العمليات المالية:
تُسهم الفواتير الإلكترونية في تقليل الوقت اللازم لتوثيق المعاملات العقارية، خاصة في حال العقود المتكررة أو طويلة الأجل.
تحسين العلاقة مع البنوك:
توثيق الإيجارات إلكترونيًا يسهّل على الشركات العقارية الحصول على التمويل البنكي لأن الفواتير تُعتبر إثباتًا موثوقًا للدخل.
تاسعاً: العلاقة بين منصة “إيجار” والفاتورة الإلكترونية
منصة “إيجار” هي منظومة إلكترونية شاملة لتنظيم وتوثيق عقود الإيجار العقارية في المملكة. تعمل المنصة على توحيد الإجراءات بين المؤجر والمستأجر والوسيط العقاري.
ومع تطبيق نظام الفواتير الإلكترونية، أصبح هناك تكامل متزايد بين منصة “إيجار” وأنظمة الفوترة الإلكترونية بحيث يمكن للمنشآت العقارية تسجيل العقد وإصدار فاتورة إلكترونية بشكل متزامن، مما يقلل من ازدواجية الإجراءات.
عاشراً: التحديات التي تواجه تطبيق الفاتورة الإلكترونية في الإيجارات
رغم الفوائد الكبيرة، إلا أن التطبيق لا يخلو من بعض التحديات التي يواجهها ملاك العقارات والمكاتب العقارية، مثل:
ضعف الوعي بالنظام: بعض المؤجرين غير مطلعين على تفاصيل النظام ومتطلباته.
نقص الأنظمة التقنية: ليس كل المكاتب العقارية مجهزة بأنظمة فوترة إلكترونية متكاملة.
تعدد أنواع العقارات: اختلاف طبيعة العقار (تجاري، سكني، صناعي) يجعل التطبيق متباينًا.
الخلط بين الإيصال والفاتورة: بعض المؤجرين لا يميزون بين الفاتورة الإلكترونية والإيصال العادي.
لهذا، تعمل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بالتعاون مع وزارة الإسكان على رفع الوعي وتقديم الأدلة الإرشادية لمساعدة المكاتب العقارية في الامتثال للنظام.
الحادي عشر: كيف يمكن للمؤجرين الامتثال للنظام بسهولة؟
لضمان الالتزام الصحيح بنظام الفواتير الإلكترونية في المعاملات العقارية، يُنصح المؤجرون والمكاتب العقارية باتباع الخطوات التالية:
التسجيل في ضريبة القيمة المضافة إذا كانت الإيرادات السنوية تتجاوز الحد الإلزامي.
اختيار نظام فوترة إلكتروني معتمد ومتوافق مع متطلبات الهيئة.
إصدار الفواتير فقط للعمليات الخاضعة للضريبة (الإيجارات التجارية).
الاحتفاظ بنسخ إلكترونية لجميع الفواتير لمدة لا تقل عن 6 سنوات.
التأكد من أن الفاتورة تحتوي على جميع البيانات المطلوبة بما في ذلك رمز QR.
الثاني عشر: رؤية مستقبلية – التحول الرقمي في القطاع العقاري
التحول نحو الفواتير الإلكترونية لا يُعد مجرد التزام ضريبي، بل خطوة نحو رقمنة سوق العقارات السعودي بالكامل.
ومع توجه المملكة نحو رؤية 2030، فإن دمج الفواتير الإلكترونية في التعاملات العقارية يُعتبر خطوة مهمة نحو الشفافية والكفاءة المالية، خصوصًا في سوق يُعتبر من أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد.
ففي المستقبل القريب، من المتوقع أن يتم الربط الكامل بين أنظمة الفوترة الإلكترونية ومنصات مثل “إيجار” و“سجل العقار”، بحيث تُدار جميع المعاملات العقارية إلكترونيًا دون الحاجة لأي مستند ورقي.
إذن، يمكن القول إن الفاتورة الإلكترونية تشمل فواتير الإيجارات والعقارات فقط في حال كانت خاضعة لضريبة القيمة المضافة، أي في الإيجارات التجارية والاستثمارية، بينما الإيجارات السكنية تُستثنى لأنها معفاة من الضريبة.
وبالتالي، المؤجرون التجاريون والمكاتب العقارية المسجلة في الضريبة مُلزمون بإصدار فواتير إلكترونية عن كل عملية تأجير تجاري، في حين يكتفي المؤجرون السكنيون بإيصال أو عقد موثق دون حاجة لفاتورة ضريبية.
إن اعتماد الفاتورة الإلكترونية في القطاع العقاري يُعد خطوة مهمة نحو توثيق التعاملات وتحقيق الشفافية في السوق، ويُسهم في تعزيز ثقة المستثمرين وتحسين البيئة الاقتصادية في المملكة، بما يتماشى مع أهداف التحول الرقمي لرؤية السعودية 2030.