ما الفرق بين القضاء والقدر والمكتوب؟
الفرق بين القضاء والقدر والمكتوب: دليل إرشادي شامل
يُعتبر موضوع القضاء والقدر والمكتوب من المفاهيم الأساسية في العقيدة الإسلامية، والتي تثير تساؤلات عديدة بين المسلمين. في هذا الدليل، سنستعرض هذه المفاهيم بالتفصيل، مع توضيح الفروقات بينها، والإجابة على الأسئلة الشائعة المتعلقة بها.
ما هو تعريف القضاء والقدر والمكتوب؟
تعريف القضاء
القضاء في اللغة يعني الحكم أو الإحكام، وفي الشريعة الإسلامية يُقصد به الأمر المحتوم الذي لا مفر منه، والذي قضى الله بحدوثه في وقت معين وبكيفية معينة.
تعريف القدر
القدر في اللغة يعني التقدير وتحديد مقدار الشيء. وفي الشريعة، يُعرف بأنه علم الله السابق وتقديره للأشياء قبل حدوثها، وتحديده لمقاديرها وأزمانها.
تعريف المكتوب
المكتوب يُشير إلى ما كُتب في اللوح المحفوظ من أقدار الخلق وأحداث حياتهم، وهو ما قدّره الله وكتبه على عباده قبل خلقهم.
هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟
آراء العلماء في التفريق بين القضاء والقدر
اختلف العلماء في تحديد الفرق بين القضاء والقدر:
الرأي الأول: يرى بعض العلماء أنه لا فرق بين القضاء والقدر، وأنهما مصطلحان مترادفان يشيران إلى نفس المعنى.
الرأي الثاني: يميز آخرون بينهما، حيث يُعرف القدر بأنه تقدير الله للأشياء في الأزل، أي علمه السابق بما سيحدث. أما القضاء فهو تنفيذ هذا التقدير عند وقوع الحدث. بمعنى أن القدر هو التخطيط المسبق، والقضاء هو التنفيذ الفعلي.
أيهما يسبق: القضاء أم القدر؟
وفقًا للرأي الثاني، القدر يسبق القضاء؛ لأن التقدير (القدر) يكون أولًا في علم الله، ثم يأتي القضاء بتنفيذ هذا التقدير في الواقع.
ما معنى “المكتوب” في الإسلام؟
المكتوب وعلاقته بالقضاء والقدر
المكتوب يُشير إلى ما كُتب في اللوح المحفوظ من أقدار وأحداث حياتية لكل فرد. وهذا الكتابة تشمل:
القدر: التقدير السابق للأحداث قبل وقوعها.
القضاء: تنفيذ هذه الأقدار في الوقت المحدد لها.
بمعنى أن المكتوب يشمل كلا من التقدير والتنفيذ، وهو ما قدّره الله وكتبه على عباده قبل خلقهم.
كيف نفهم القضاء والقدر في حياتنا اليومية؟
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر
للإيمان بالقضاء والقدر أربع مراتب يجب على المسلم الإيمان بها:
العلم: الإيمان بأن الله يعلم كل شيء، سواء كان ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلًا.
الكتابة: الإيمان بأن الله كتب كل ما سيحدث في اللوح المحفوظ.
المشيئة: الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون هو بمشيئة الله وإرادته.
الخلق: الإيمان بأن الله خالق كل شيء، بما في ذلك أفعال العباد.
تأثير الإيمان بالقضاء والقدر على سلوك المسلم
الإيمان بالقضاء والقدر يُعزز في المسلم صفات عدة، منها:
الرضا: الرضا بما قسمه الله له، سواء كان خيرًا أو شرًا.
الصبر: التحلي بالصبر عند المصائب والشدائد، مع اليقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه.
الشكر: شكر الله على النعم، والاعتراف بفضله وكرمه.
أسئلة شائعة حول القضاء والقدر والمكتوب
هل يمكن تغيير القدر بالدعاء؟
نعم، يُعتبر الدعاء من الوسائل التي قد تُغير القدر. فقد ورد في الحديث الشريف: “لا يرد القضاء إلا الدعاء”.
ما الفرق بين القضاء المبرم والقضاء المعلق؟
القضاء المبرم: هو القضاء المحتوم الذي لا يتغير.
القضاء المعلق: هو القضاء الذي قد يتغير بسبب أفعال معينة، مثل الدعاء أو الصدقة.
كيف نوفق بين حرية الإرادة والإيمان بالقضاء والقدر؟
الإسلام يُقر بأن للإنسان إرادة حرة ومسؤولية عن أفعاله، وفي نفس الوقت كل شيء يحدث بمشيئة الله وتقديره. بمعنى أن الله يعلم ما سيختاره الإنسان، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، ولكن الإنسان يختار أفعاله بحرية.
أهمية الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المسلم
الإيمان بالقضاء والقدر ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو جزء أساسي من العقيدة الإسلامية وله آثار عظيمة في حياة المسلم. ومن أهم فوائده:
1. الطمأنينة والاستقرار النفسي
الإيمان بأن كل شيء مقدر ومكتوب يجعل الإنسان أكثر راحة نفسية، فلا يقلق بشأن المستقبل ولا يتحسر على الماضي. قال الله تعالى:
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].
2. التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب
المؤمن يعلم أن كل شيء بيد الله، لكنه مطالب أيضًا بالسعي والاجتهاد. فالقضاء والقدر لا يعني التواكل، بل التوكل والعمل.
3. التحرر من الحسد والحقد
من يؤمن بأن الله هو الذي يقسم الأرزاق ويحدد مصير العباد لن يحسد أحدًا على ما أعطاه الله من نعم، لأن كل شيء مكتوب بحكمة إلهية.
4. الصبر عند الابتلاء والشكر عند النعمة
عندما يدرك المسلم أن كل شيء يحدث بقدر الله، فإنه يصبر عند المصائب، ويشكر الله عند النعم.
كيف يمكن للإنسان التعامل مع القضاء والقدر؟
1. الإيمان بأن الله عادل ورحيم
الله لا يظلم أحدًا، وكل ما يقدره على عباده فيه حكمة وخير، حتى لو لم ندرك ذلك في لحظتها.
2. عدم لوم النفس على الأمور الخارجة عن إرادتها
المسلم يجب أن يفرق بين الأمور التي يستطيع التحكم بها، والأمور التي تقع خارج نطاق إرادته.
3. الرضا وعدم الاعتراض على حكم الله
قال النبي : “عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” (رواه مسلم).
4. كثرة الدعاء والاستغفار
الدعاء من أقوى الوسائل التي قد تغير القدر المعلق، والاستغفار يجلب الخير ويدفع الشر.
الفرق بين القضاء والقدر والمكتوب في أقوال العلماء
قول ابن تيمية:
يرى أن القدر هو التقدير السابق للأحداث.
والقضاء هو وقوع هذا التقدير في الواقع.
والمكتوب هو ما دُوِّن في اللوح المحفوظ.
قول الإمام النووي:
الفرق بينهما كالفرق بين التخطيط والتنفيذ، فالقدر هو التخطيط، والقضاء هو التنفيذ.
سابق بالأحداث قبل وقوعها.
القضاء هو تنفيذ ما قدّره الله في الوقت الذي حدده.
المكتوب هو كل ما سُجّل في اللوح المحفوظ قبل خلق الكون.
الدعاء والعمل الصالح قد يغيران بعض الأقدار المكتوبة.
الإيمان بالقضاء والقدر يمنح المسلم راحة نفسية، ويزيده إيمانًا وثقة بحكمة الله.
فهم القضاء والقدر والمكتوب يُعد من أساسيات العقيدة الإسلامية، ويُسهم في تعزيز الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره. على المسلم أن يُدرك أن كل ما يحدث في حياته هو بتقدير الله وحكمته، وأن يسعى دائمًا للقيام بالأعمال الصالحة، مع التوكل على الله في كل أموره.